سورة فاطر - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فاطر)


        


الألف واللام في {الحمد} لاستغراق الجنس على أتم عموم، لأن {الحمد} بالإطلاق على الأفعال الشريفة والكمال هو لله تعالى والشكر مستغرق فيه لأنه فصل من فصوله، و{فاطر} معناه خالق لكن يزيد في المعنى الانفراد بالابتداء لخلقها، ومنه قول الأعرابي المتخاصم في البئر عند ابن عباس: أنا فرطتها، أراد بدأت حفرها. قتال ابن عباس ما كنت أفهم معنى {فاطر} حتى سمعت قول الأعرابي، وقرأ الجمهور {الحمد لله فطر}، وقرأ جمهور الناس {جاعلِ} بالخفض، وفرأت فرقة {جاعلُ} بالرفع على قطع الصفة، وقرأ خليد بن نشيط {جعل} على صيغة الماضي {الملائكة} نصباً، فأما على هذه القراءة الأخيرة فنصب قوله {رسلاً} على المفعول الثاني، وأما على القراءتين المتقدمتين فقيل أراد ب جاعل الاستقبال لأن القضاء في الأزل وحذف التنوين تخفيفاً وعمل عمل المستقبل في {رسلاً}، وقالت فرقة {جاعل} بمعنى المضي و{رسلاً} نصب بإضمار فعل، و{رسلاً} معناه بالوحي وغير ذلك من أوامره، فجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل رسل، والملائكة المتعاقبون رسل، والمسددون لحكام العدل رسل وغير ذلك، وقرأ الحسن {رسْلاً} بسكون السين، و{أولي} جمع واحده ذو، تقول ذو نهية والقوم أولو نهي، وروي عن الحسن أنه قال في تفسير قول مريم {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً} [مريم: 18] قال علمت مريم أن التقي ذو نهية، وقوله {مثنى وثلاث ورباع} ألفاظ معدولة من اثنين وثلاثة وأربعة عدلت في حال التنكير فتعرفت بالعدل، فهي لا تنصرف للعدل والتعريف، وقيل للعدل والصفة، وفائدة العدل الدلالة على التكرار لأن {مثنى} بمنزلة قولك اثنين اثنين، وقال قتادة: إن أنواع الملائكة هي هكذا منها ما له جناحان، ومنها ما له ثلاثة، ومنها ما له أربعة، ويشذ منها ما له أكثر من ذلك، وروي أن لجبريل ستمائة جناح منهِا اثنان تبلغ من المشرق إلى المغرب، وقالت فرقة المعنى أن في كل جانب من الملك جناحين، ولبعضهم ثلاثة في كل جانب، ولبعضهم أربعة، وإلا فلو كانت ثلاثة لكل واحد لما اعتدلت في معتاد ما رأيناه نحن من الأجنحة، وقيل بل هي ثلاثة لكل واحد كالحوت والله أعلم بذلك، وقوله تعالى: {يزيد في الخلق ما يشاء} تقرير لما يقع في النفوس من التعجب والاستغراب عن الخبر بالملائكة أولي الأجنحة، أي ليس هذا ببدع في قدرة الله تعالى فإنه يزيد في خلقه ما يشاء، وروي عن الحسن وابن شهاب أنهما قالا المزيد هو حسن لصوت قال الهيثم الفارسي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي: أنت الهيثم الذي تزين القرآن بصوتك جزاك الله خيراً، وقيل الزيادة الخط الحسن، وقال النبي عليه السلام:
«الخط الحسن يزيد الحق وضوحاً»، وقال قتادة الزيادة ملاحة العينين.
قال القاضي أبو محمد: وقيل غير هذا وهذه الإشارة إنما ذكرها من ذكرها على جهة المثال لا أن المقصود هي فقط، وإنما مثل بأشياء هي زيادات خارجة عن الغالب الموجود كثيراً وباقي الآية بين، وقوله {ما يفتح الله} {ما} شرط، و{يفتح} جزم بالشرط، وقوله {من رحمة} عام في كل خير يعطيه الله تعالى للعباد جماعتهم وأفذاذهم، وقوله {من بعده} فيه حذف مضاف أي من بعد إمساكه، ومن هذه الآية سمت الصوفية ما تعطاه من الأموال والمطاعم وغير ذلك الفتوحات، ومنها كان أبو هريرة يقول مطرنا بنوء الفتح، وقرأ الآية، وقوله {يا أيها الناس} خطاب لقريش وهو متجه لكل كافر، ولا سيما لعباد غير الله، وذكرهم تعالى بنعمة الله عليهم في خلقهم وإيجادهم، ثم استفهمهم على جهة التقرير والتوقيف بقوله {هل من خالق غير الله} أي فليس إله إلا الخالق لا ما تعبدون أنتم من الأصنام، وقرأ حمزة والكسائي {غيرِ} بالخفض نعتاً على اللفظ وخبر الابتداء {يرزقكم} وهي قراءة أبي جعفر وشقيق وابن وثاب، وقرأ الباقون غير نافع بالرفع، وهي قراءة شيبة بن نصاح وعيسى والحسن بن أبي الحسن، وذلك يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها النعت على الموضع والخبر مضمر تقديره في الوجود أو في العالم وأن يكون غيرُ خبر الابتداء الذي هو في المجرور والرفع على الاستثناء، كأنه قال هل خالق إلا الله، فجرت غير مجرى الفاعل بعد {إلا}، وقوله {من السماء} يريد بالمطر ومن {الأرض} يريد بالنبات، وقوله {فأنى تؤفكون} معناه فلأي وجه تصرفون عن الحق، ثم سلى نبيه صلى الله عليه وسلم بما سلف من حال الرسل مع الأمم، و{الأمور} تعم جميع الموجودات المخلوقات إلى الله مصير جميع ذلك على اختلاف أحوالها، وفي هذا وعيد للكفار ووعد للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم وعظ عز وجل جميع العالم وحذرهم غرور الدنيا بنعيمها وزخرفها الشاغلة عن المعاد الذي له يقول الإنسان: {يا ليتني قدمت لحياتي} [الفجر: 24] ولا ينفعه ليت يومئذ، وحذر غرور الشيطان، وقوله {إن وعد الله} عبارة عن جميع خبره عز وجل في خير وتنعم أو عذاب أو عقاب، وقرأ جمهور الناس {الغَرور} بفتح الغين وهو الشيطان قاله ابن عباس، وقرأ سماك العبدي وأبو حيوة {الغُرور} بضم الغين وذلك يحتمل أن يكون جمع غار كجالس وجلوس، ويحتمل أن يكون جمع غر وهو مصدر غره يغره غراً، ويحتمل أن يكون مصدراً وإن كان شاذاً في الأفعال المتعدية أن يجيء مصدرها على فعول لكنه قد جاء لزمه لزوماً ونهكه المرض نهوكاً فهذا مثله وكذلك هو مصدر في قوله {فدلاهما بغرور} [الأعراف: 22].


قوله تعالى: {إن الشيطان} الآية، يقوي قراءة من قرأ {الغَرور} بفتح الغين، وقوله {فاتخذوه عدواً} أي بالمباينة والمقاطعة والمخالفة له باتباع الشرع، والحزب الحاشية والصاغية، واللام في قوله {ليكونوا} لام الصيرورة لأنه لم يدعهم إلى السعير إنما اتفق أن صار أمرهم عن دعائه إلى ذلك، و{السعير} طبقة من طبقات جهنم وهي سبع طبقات، وقوله {الذين كفروا} في موضع رفع بالابتداء وهذا هو الحسن لعطف {الذين آمنوا} عليه بعد ذلك فهي جملتان تعادلتا، وجوز بعض الناس في {الذين} أن يكون بدلاً من الضمير في {يكونوا} وجوز غيره أن يكون {الذين} في موضع نصب بدلاً من {حزبه} وجوز بعضهم أن يكون في موضع خفض بدلاً من {أصحاب} وهذا كله محتمل، غير أن الابتداء أرجح. وقوله تعالى: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً} توقيف وجوابه محذوف تقديره عنده الكسائي تذهب نفسك حسرات عليهم، ويمكن أن يتقدر كمن اهتدى ونحو هذا من التقدير، وأحسنها ما دل اللفظ بعد عليه، وقرأ طلحة {أمن زين} بغير فاء، وهذه الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن كفر قومه، ووجب التسليم لله تعالى في إضلال من شاء وهداية من شاء، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن أمرهم وأن لا يبخع نفسه أسفاً عليهم، وقرأ جمهور الناس {فلا تذهَبُ} بفتح التاء والهاء {نفسُك} بالرفع، وقرأ أبو جعفر وقتادة وعيسى والأشهب {تُذهِبَ} بضم التاء وكسر الهاء نفسك بالنصب، ورويت عن نافع، و{الحسرة} هم النفس على فوات أمر، واستشهد ابن زيد لذلك بقوله تعالى: {يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله} [الزمر: 56] ثم توعد تعالى الكفرة بقوله {إن الله عليم بما يصنعون}.


هذه آية احتجاج على الكفرة في إنكار البعث من القبور، فدلهم تعالى على المثال الذي يعاينونه وهو سواء مع إحياء الموتى، والبلد الميت هو الذي لا نبت فيه قد اغبر من القحط فإذا أصابه الماء من السحاب اخضر وأنبت فتلك حياته، و{النشور} مصدر نشر الميت إذا حيي، ومنه قول الأعشى:
يا عجبا للميت الناشر ***
وقوله تعالى: {من كان يريد العزة} يحتمل ثلاثة معان: أحدها أن يريد {من كان يريد العزة} بمغالبة {فلله العزة} أي ليست لغيره ولا تتم إلا له وهذا المغالب مغلوب ونحا إليه مجاهد، وقال {من كان يريد العزة} بعبادة الأوثان.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تمسك بقوله تعالى: {واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً} [مريم: 81] والمعنى الثاني {من كان يريد العزة} وطريقها القويم ويحب نيلها على وجهها {فلله العزة} أي به وعن أوامره لا تنال عزته إلا بطاعته، ونحا إليه قتادة. والمعنى الثالث وقاله الفراء {من كان يريد} علم {العزة فلله العزة} أي هو المتصف بها، و{جميعاً} حال، وقوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب} أي التوحيد والتمجيد وذكر الله ونحوه، وقرأ الضحاك {إليه يُصعد} بضم الياء، وقرأ جمهور الناس {الكلم} وهو جمع كلمة، وقرأ أبو عبد الرحمن {الكلام}، و{الطيب} الذي يستحسن سماعه الاستحسان الشرعي، وقال كعب الأحبار: إن لسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لدوياً حول العرش كدوي النحل تذكر بصاحبها، وقوله تعالى: {والعمل الصالح يرفعه} اختلف الناس في الضمير في {يرفعه} على من يعود، فقالت فرقة يعود على {العمل}، واختلفت هذه الفرقة فقال قوم الفاعل بـ يرفع هو {الكلم} أي والعمل يرفعه الكلم وهو قول لا إله إلا الله لأنه لا يرتفع عمل إلا بتوحيد، وقال بعضهم الفعل مسند إلى الله تعالى أي {والعمل الصالح يرفعه هو}.
قال القاضي أبو محمد: وهذا أرجح الأقوال، وقال ابن عباس وشهر بن حوشب ومجاهد وقتادة الضمير في {يرفعه} عائد على {الكلم} أي أن العمل الصالح هو يرفع الكلم.
قال القاضي أبو محمد: واختلفت عبارات أهل هذه المقالة فقال بعضها وروي عن ابن عباس أن العبد إذا ذكر الله وقال كلاماً طيباً وأدى فرائضه ارتفع قوله مع عمله، وإذا قال ولم يؤد فرائضه رد قوله على عمله، وقيل عمله أولى به.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول يرده معتقد أهل الحق والسنة ولا يصح عن ابن عباس، والحق أن العاصي التارك للفرائض إذا ذكر الله تعالى وقال كلاماً طيباً فإنه مكتوب له متقبل منه وله حسناته وعليه سيئاته، والله تعالى يتقبل من كل من اتقى الشرك، وأيضاً فإن {الكلم الطيب} عمل صالح وإنما يستقيم قول من يقول إن العمل هو الرافع ل {الكلم} بأن يتأول أنه يزيد في رفعه وحسن موقعه إذا تعاضد معه، كما أن صاحب الأعمال من صلاة وصيام وغير ذلك إذا تخلل أعماله كلم طيب وذكر لله كانت الأعمال أشرف.
قال القاضي أبو محمد: فيكون قوله {والعمل الصالح يرفعه} موعظة وتذكرة وحضاً على الأعمال، وذكر الثعلبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل الله قولاً إلا بعمل ولا عمل إلا بنية»، ومعناه قولاً يتضمن أن قائله عمل عملاً أو يعمله في الأنف، وأما الأقوال التي هي أعمال في نفوسها كالتوحيد والتسبيح فمقبولة على ما قدمناه، وقرأت فرقة {والعملَ} بالنصب {الصالحَ} على النعت وعلى هذه القراءة ف {يرفعه} مستند إما إلى الله تعالى وإما إلى {الكلم}، والضمير في {يرفعه} عائد على {العمل} لا غير، وقوله {يمكرون السيئات} إما أنه عدى {يمكرون} لما أحله محل يكسبون، وإما أنه حذف المفعول وأقام صفته مقامه تقديره يمكرون المكرات السيئات، و{يمكرون} معناه يتخابثون ويخدعون وهم يظهرون أنهم لا يفعلون، و{يبور} معناه يفسد ويبقى لا نفع فيه، وقال بعض المفسرين يدخل في الآية أهل الربا.
قال القاضي أبو محمد: ونزول الآية أولاً في المشركين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5